حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه

حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه من الأحكام الفقهية التي تحدث فيها الفقهاء مطولًا؛ ذلك لأن الزواج هو العلاقة المقدسة التي تبني الأسرة، والنواة الأولى للمجتمع الإسلامي ويجب أن يتم ضبط كل شق فيها بشدة، وأيضًا بسبب كثرة استخدام الرجال هذه الصيغة للطلاق المسماة بـ( الطلاق المعلق)، وفي هذا الموضوع على موقع صفحات سنمر في عُجالة على أقوال الفقهاء بحُكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه ورأي القانون فيه.

حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه

في بداية أي قول لفقيه قديم كان أم حديث حول حكم من حلف بالطلاق ثم اراد الرجوع عن يمينه، لا بد من الإشارة إلى وجوب ابتعاد الزوج عن استعمال الطلاق في اليمين والأمور الدنيوية في المعيشة اليومية، وعدم تعويد اللسان على النطق بهذه الألفاظ؛ ذلك لعظم أمر الزواج وهذه الألفاظ التي يترتب عليها انهدام الأسرة والتفرقة بين الزوجين.

مستندين في نصحهم هذا إلى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- والذي رواه أبو هريرة حين قال: “ثَلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ، وهَزْلُهنَّ جِدٌّ؛ النِّكاحُ، والطَّلاقُ، والرَّجْعةُ” (الترمذي 1184).

في أقوالهم لحكم “الطلاق المعلق” أي أن يعلق الرجل طلاقه على فعل فعل أو عدم فعله انقسموا على فرقين وهما:

شاهد أيضًا: حكم رائعة عن الحياة فيس بوك وكلمات من أفواه الحكماء

رأي الفريق الأول

يرى أصحاب هذا الرأي -وهم جمهور الفقهاء- أن أي حلف بالطلاق هو طلاق معلق، وإذا وقع فيحسب طلاق، ولا رجوع فيه، فيحسب طلقة واحدة من الثلاثة ويمكن للرجل مراجعة زوجته بشهادة عدلين في فترة عدتها؛ إن لم يكن الرجل قد طلق زوجته مرتين من قبل فلا يمكن ردها في تلك الحالة.

رأي الفريق الثاني

أصحاب هذا الرأي قسموا قول الرجل إلى نوعين:

  • الأول أن يكون في حلفه هذا قد كان يقصد تعليق الطلاق فعلًا على قيام زوجته بهذا الفعل أو امتناعها عنه، في هذا الحالة إذا وقع الفعل وقع الطلاق، ولا رجوع في ذلك النوع من القسم.
  • أما الثاني فيقول بأن الرجل يكون قاصد منع زوجته فقط من القيام بفعلٍ ما أو أمرها بفعله، أي أنه فقط يمين لا يقصد الطلاق، وفي هذه الحالة يعتبر يمين عادي وتكفيره مثل تكفير اليمين إطعام عشرة مساكين من أوسط طعام أهل البيت، أو كسوة عشر مساكين، أو تحرير رقبة، ولمن لم يستطع القيام بأيٍ من تلك فله الصيام.. ويكون ثلاث أيام.

وفقًا إلى ما سبق ذكره، فإنه يجب الأخذ في الاعتبار أن رأي جمهور الفقهاء قوي، ويجب الابتعاد كل البعد عن استخدام الطلاق في القسم.

أدلة الرأي الثاني

بالطبع في اجتهاد أصحاب الراي الثاني قد اتبعوا الأصول الفقهية السليمة مستندين فيها على نصوص أصيلة مثل ما يلي:

  • أن الرجل لم يقصد الطلاق؛ فإذا وقع طلاقه فهذا يخالف قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: ” الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ” صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا الحديث يوضح بصورة لا تقبل التأويل أن النية جزء أصيل من العمل وبها يصح العمل كله أو يبطل.
  • جاء في “أبحاث هيئة كبار العلماء 2 / 390:329” أن الطلاق المعلق المقصود به منع الزوجة أو حثها على الفعل يسمى في اللغة يمين ويخرج عن باب الطلاق، وأنه مما نقل عن الصحابة -رضوان الله عليهم- بأنهم أفتوا بوقوع الطلاق عند تعليقه لا يصح سنده ونقله عنهم.

رأي ابن تيمية في حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه

في “مجموع الفتاوى 33:60” يتضح رأي شيخ الإسلام -رحمه الله- في هذا الباب أنه يتخذ مأخذ الرأي الثاني السابق ذكره في التأكد من نية الرجل حين يحلف، فإذا كان يقصد المنع فقط فهو قسم وله كفارة، فيقول: “وإن كان مقصوده أن يحلف بها، وهو يكره وقوعها إذا حنث وإن وقع الشرط فهذا حالف بها، لا موقع لها، فيكون قوله من باب اليمين، لا من باب التطليق والنذر، فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة”.

بينما إذا كان يقصد الطلاق الفعلي فهو طلاق، فيقول: “وأما إن كان مقصوده وقوع هذه الأمور، كمن غرضه وقوع الطلاق عند وقوع الشرط، مثل أن يقول لامرأته: (إن أبرأتني من طلاقك فأنت طالق) فتبرئه، أو يكون غرضه أنها إذا فعلت فاحشة أن يطلقها، فيقول: (إذا فعلت كذا فأنت طالق)”.

رأي ابن القيم الجوزي

في قول ابن القيم الجوزي عن حكم من حلف بالطلاق ثم اراد الرجوع عن يمينه، حيث إنه كما خلصنا من قوله في “إعلام الموقعين عن رب العالمين 4/97” نرى إنه اتبع أستاذه ابن تيمية في التفرقة بين نية الرجل إذا كان يريد الطلاق فعلًا أم كان فقط يريد أن يمنع زوجته عن تنفيذ فعل أو يحرضها على فعله.

لكن يجب علينا التوضيح أن هذه المسألة اجتهادية؛ فهي على السعة، فلم يرد بها نص صريح في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة لذلك الأمر على اجتهاد العلماء أصابوا أو جانبوا الصواب مع اتباع الأصول الفقهية التي اجتمع عليها أهل السنة والجماعة.

رأي ابن عثيمين في الطلاق المعلق

في كتابه “الشرح الممتع على زاد المستقنع” قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- ذكر في خضم الحديث حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه فشرح رأي الجمهور، ومن بعده رأي ابن تيمية وقال -بعد توضيح معنى الطلاق المعلق والتمثيل عليه: “الجمهور يقولون: لا يمكن أن يتنازل، لأنه أخرج الطلاق مِنْ فِيهِ على هذا الشرط، فلزم، كما لو كان الطلاق منجزًا، وشيخ الإسلام يقول: إن هذا حق له، فإذا أسقطه فلا حرج لأن الإنسان قد يبدو له أن ذهاب امرأته إلى أهلها يفسدها عليه، فيقول لها: إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق ثم يتراجع ويسقط هذا”.

شاهد أيضًا: حكم عن النجاح والطموح بالانجليزي وبالعربي

خلاصة القول في الطلاق المعلق

في الطلاق المعلق هناك منهجان:

الأول: للزوجين الأخذ برأي الجمهور في أنه يُحسب طلقة عليهم ولا تكفير له.

الثاني: الاحتجاج إلى نية الزوج حين النطق باليمين إذا كان يقصد طلاق أم مجرد منع الزوجة أو حثها على فعل.

في كلتا الحالتين تجدر الإشارة إلى أن السواد الأعظم من المجتمع الإسلامي ليس أهل فتوى، ولا سيما في الأمور الشديدة مثل الزواج والطلاق والميراث؛ لذلك يجب على الزوجين في تلك الحالة استفتاء أحد الشيوخ في دار الإفتاء في بلدهم لتطمئن القلوب، وحتى يقدر الشيخ على مقابلة الزوج وفهم حيثيات نطقه بالقسم ونيته والاحتجاج إلى مذهب أهل البلد.

هكذا نكون قد تطرقنا إلى أقوال الفقهاء في حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه، كما عرضنا لكم أدلة كل فريق، وندعو الله -تعالى- أن يكون قد وفقنا إلى ما يحبه ويرضاه والصلاة والسلام على شفيعنا يوم الدين.

اقرأ أيضًا: