شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والدروس المستفادة منه

شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الذي أوضح فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- دور كل فرد في المجتمع الإسلامي والمسؤولية التي تقع على عاتقه تجاه الذين يتولون شؤون رعايتهم، كما أن هذا الحديث الشريف قام بوضع دعائم المجتمع الإسلامي بتخصيص المهام ليعرف كل فرد دوره وهو ما سيوضحه موقع صفحات من خلال شرح الحديث الشريف.

شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته

إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يترك أمرًا فيه صلاح لأحوال المسلمين في دنياهم وأخراهم، إلا وعلمهم إياه وأخبرهم عنه مهما كبر هذا الأمر أو صغر، ومن الأمور الهامة التي أخبرنا عنها النبي الأمي هي المسؤولية التي يتحملها كل فرد مسلم في المجتمع، كما أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أنه سيسأل كل فرد عن تلك الأمانة أمام الله -عز وجل- يوم القيامة.

روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه فالإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِه والرَّجلُ راعٍ في أهلِه ومسؤولٌ عن أهلِه والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجِها ومسؤولةٌ عن رعيَّتِها والخادمُ راعٍ في مالِ سيِّدِه ومسؤولٌ عن رعيَّتِه وكلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِه صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

تفسير حديث “كُلُّكُمْ رَاعٍ وكلكم مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِه”

بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- حديثه فيما يخص المسؤولية أن هذه الأمة الإسلامية التي وصفت بأنها خير الأمم التي أخرجت للناس، حيث إن كل فرد فيها مسؤول عن من وكِل إليه أمره ورعايته، فقال:

كلكم راع: الراعي هو الحافظ المؤتمن على من يقوم برعايتهم، وتطلق على كل من وُلي أمر الناس بالعناية والسياسة كالحاكم وغيره.

رعية: تُطلق على كل من يشمله حفظ الراعي ونظره، فتطلق على عامة الناس الذين تم تنصيب والٍ عليهم، يرعى مصالحهم ويتولى إدارة شؤونهم.

يوجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه العبارة إلى وجوب القيام بحق الرعية، والذي يشمل ارشادهم إلى كل ما فيه صلاح في أمورهم الدينية والدنيوية، وكذلك على هذا الراعي أن يردع رعيته عن كل ما فيه ضرر لهم في مصالحهم وشؤونهم.

إن الذي يتصدى للقيام برعاية من هم يحتاجون للرعاية، لا بد أن يعرف أنه سيقف أمام الله -عز وجل- وسيُحاسب عن جميع من كان تحت نظره، فإن قام بحقوق الرعية عليه وأدى ووفى ما عليه من الرعاية، حصل على عظيم الجزاء من الله، وإن ضيّع حقوق رعيته وفرّط فيها فسيحاسب على ذلك أيضًا.

شاهد أيضًا: قصة اثر الرسول فيها اصحابه على نفسه

الإِمَام رَاع وهو مَسؤولٌ عن رَعيَّتهِ

بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفصّل ما أجمله في بداية الحديث، وأوضح المسؤولية الواقعة على عاتق كل فرد في هذه الأمة، حيث أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف إلى أنه يوجد دور عظيم للشخص الراعي والمسؤول ففي صلاحه وحسن رعايته إصلاح لحال الرعية كلها، وسيكون صلاحه وقيامه بشؤون رعايتهم سببًا في صلاح بقية أفراد الرعية ونجاحهم في القيام بمسؤوليتهم.

إنه الإمام ويُقصد بلفظ الإمام في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قول أكثر أهل العلم الأمير أو الحاكم وأي مسلم يولّى على شؤون الحكم، حيث يكون مسؤولًا عن من هم تحت ولايته وما استرعاه الله عليه.

إن الحاكم في الإسلام مسؤول عن رعيته في حمايتهم ممن جار عليهم، ومجاهدة عدوهم، والحرص على مصالحهم، ومحاسبة المفسدين والظالمين منهم، كما أن من واجبه بذل قصارى جهده في القيام برعايتهم.

الرَّجلُ في أهْلهِ راعٍ وهو مَسْؤولٌ عن رَعيَّتهِ

إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذكر بعد الإمام مسؤولية الرجل عن أهل بيته ومن يراعهم فيه، فإن الرجل عليه أن يقوم بكل شؤون رعايتهم من توفير ما يحتاجونه من سكن وطعام وشراب وملبس، وكل ما يحتاجونه في معيشتهم على قدر استطاعته، وأن لا يوفر جهدًا في سبيل ذلك.

إن الرجل ليس مسؤولا فقط عن رعاية أهل بيته وتوفير ما يحتاجونه، بل وعليه أن يوجههم لأمور دينهم من تربية وتعليم وتقويم، وليعلم أنه راع لهم ومسؤول عنهم.

قال الله -تعالى- في سورة التحريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ“. صدق الله العظيم.

المَرْأةُ في بَيْت زَوْجهَا رَاعِيةٌ وهي مسْؤُولةٌ عن رَعيتِهَا

لا تقتصر تلك المسؤولة على الرجل فقط، بل إن المرأة ليست بعيدة عن تلك المسؤولية التي قال عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أيضًا، بل بين أنها راعية وعليها من المهام التي ستسأل عنها أمام الله.

فالمرأة مسؤولة عن رعاية أولادها وبناتها، كذلك هي مسؤولة عن الخدم الموجودين في منزلها وعن معاملتهم وما تطلبه منهم، ومسؤولة عن المال الذي تنفق منه على شؤون بيتها، كما إن عليها أن تُحسن رعاية الأطفال وتوفر لهم ما يحتاجونه قدر استطاعتها دون تبذير، وتحسن تربيتهم وتهذيب أخلاقهم، ولتعلم أنها ستُحاسب عنهم أمام الله.

والخَادمُ في مَالِ سَيّدهِ رَاعٍ وهو مَسؤُولٌ عن رَعِيَّتهِ

لا يظن أحد أنه خال من المسؤولية أو بعيد عنها خاصةً إن كان يوجد تحت نظره ما هو مطلوب منه أن يقوم برعايته ورعاية شؤونه، حتى الخادم أخبر عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه مسؤول أمام الله عن رعاية مال سيده بأن يكون أمينًا عليه، ويحفظه من الضياع.

إن الخادم عليه أن يُنمي مال سيده بما استطاع، وأن ينصح ويوجه سيده إذا كان هناك أمرًا ما سيضره، وكذلك العامل والأجير سيُسأل عما تحت يده من ممتلكات وأموال وأشغال.

والرَّجُلُ في مَال أبيهِ رَاعٍ وهو مَسؤُولٌ عن رَعيتهِ

كما بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأخبر عن مسؤولية كل فرد عن رعيته، بين أيضًا أن الرجل الذي يعيش في بيت أبيه أو يعمل بأموال أبيه وعمله لا يظن أنه بعيد عن المسؤولية، أو أن له حرية التصرف كما يشاء بها، وأن ما يضيعه أو يتلفه حق مكتسب له.

كذلك إن أتقى الله في مال أبيه وحافظ عليه وكان حَسِن التدبير فيه؛ فسيجازيه الله خير الجزاء على حسن عمله ورعايته لمال أبيه، فإنه سيُسأل وسيُحاسب إن كان حافظ واتقى سيجازى خيرًا من الله، وإن أساء وضيع وأفسد سيقتص الله منه.

ألا فَكلُّكمْ رَاعٍ وكُلُّكم مَسؤُولٌ عن رَعيَّتهِ

إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدأ بإجمال يُعمم فيه الرعاية والمسؤولية على الجميع أمام الله ثم خصص، وبيّن بالتفصيل مسؤولية الرعاية على كل من الإمام والرجل والمرأة والخادم، كما اتضح من شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

أنهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- حديثه الشريف بتعميم الحُكم بالإجمال مرة أخرى؛ تأكيدًا لما أخبر عنه، وإشارة إلى استيفاء التفصيل الذي يريده، كما جاء في شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

ذكر بعض الفقهاء في شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته أن المقصود من هذه العبارة أن كل فرد مسؤول أمام الله حتى وإن لم يكن ممن سبق الحديث عنهم، حيث يكون مسؤول عن جوارحه وأن يرعاها على الوجه الذي يرضي الله -عز وجل- عنه، ويبعد جوارحه عن كل ما يغضب الله.

شاهد أيضًا: ما حكم من اخذ من شعره وهو يريد ان يضحي بأدلة الفقهاء

ما يرشدنا إليه الحديث

من خلال شرح الحديث الشريف السابق الإشارة إليه، يتضح أن أهم ما يرشد إليه الحديث النبوي الشريف:

  • كل فرد في الأمة الإسلامية عليه واجبات كما أن له حقوق، وكلٍ حسب قدرته.
  • على كل فرد مسلم أن يقوم بواجباته على الوجه الأمثل؛ لأنه سيُحاسب ويُسأل عن تلك الواجبات تجاه الآخرين وأمام الله -عز وجل-.
  • إن الله -سبحانه وتعالى- لا يُكلف نفسًا إلا وسعها، ولكن يجب على العبد الفطن ألا يقدم نفسه لأمر أو مسؤولية لا يستطيع أداء حقها لأنه سيسأل عنها.
  • من الضروري تقسيم المهام على أصحابها؛ وذلك حتى يعلم كل فرد دوره وأهميته، كما يتضح من شرح الحديث النبوي.

إن شرح حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته يوضح تخصيص المسؤولية على كل من في المجتمع الإسلامي من حاكم أو رجل أو امرأة او خادم أو ابن، فالكل راع وسيحاسب عن هذه الرعية أمام الله.