قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة

قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة هي قصة مليئة بالمعاني التي تمس الروح وتسمو بها لتعتنق المعايير الأخلاقية المُثلى والإخلاص في العمل الصالح الذي ينجي المؤمن في الدنيا ولا يتركه إلا وهو على باب الجنة على وشك الخطو إلى الحياة الأبدية المليئة بالنعم والخيرات نتيجة عمله الصالح، لذا سنفك الألغاز ونجيب عن التساؤلات من خلال موقع صفحات عبر اصطحابكم في جولة زمنية نعود بها إلى الماضي لنتعرف على قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة.

قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة

عندما تذكر قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة قد يخطر على قلب البعض إنها قصة أصحاب الكهف، لكنها قصة أخرى مختلفة عن العمل الصالح وآثره على حياة الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، وقد وردت هذه القصة في صحيح الإمام البخاري وكذلك مسلم، وسنتناول هذا الحديث بشرح جزء تلو الآخر فيما يلي:

اقرأ أيضًا: قصة موسى عليه السلام مختصرة جدا

بداية القصة

“أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: بيْنَما ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ، إذْ أصَابَهُمْ مَطَرٌ، فأوَوْا إلى غَارٍ فَانْطَبَقَ عليهم، فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إنَّه واللَّهِ يا هَؤُلَاءِ، لا يُنْجِيكُمْ إلَّا الصِّدْقُ، فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنكُم بما يَعْلَمُ أنَّه قدْ صَدَقَ فِيهِ”.

تفسير بداية الحديث أنه كان هناك ثلاث رجال يمشون في مناكب الأرض لغرض في نفوسهم ثم تفاجئوا بسيل من الأمطار التي لا تبقى ولا تذر فالتجئوا إلى غار يعصمهم من السيل لكن لشدة قوة الماء جرف معه صخرة بالغة الثقل من مكان عالٍ استقرت على فتحة الغار فسدته.

لم يستطع الثلاث رجال تحريك الصخرة قيد أنملة، ولم يكن المكان معمور بالخلق ليستنجدوا بأحد، كما أن الأمطار محت آثارهم على الأرض فقضت على أمل أن يتتبعهم أحد، فكان الملجأ الوحيد هو أن يلجئوا إلى الله الذي من يأوى إليه إنما يأوى إلى ركن شديد.

كان اقتراح أحدهم هو التذلل إلى الله بأصدق الأعمال الصالحة التي كانت خالصة لوجه الله ليسألوا الله بها أن ينجيهم من الكربة التي أحلت بهم.

القصة الأولى: حفظ الحقوق والإحسان

“فَقالَ واحِدٌ منهمْ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّه كانَ لي أجِيرٌ عَمِلَ لي علَى فَرَقٍ مِن أرُزٍّ، فَذَهَبَ وتَرَكَهُ، وأَنِّي عَمَدْتُ إلى ذلكَ الفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، فَصَارَ مِن أمْرِهِ أنِّي اشْتَرَيْتُ منه بَقَرًا، وأنَّهُ أتَانِي يَطْلُبُ أجْرَهُ، فَقُلتُ له: اعْمِدْ إلى تِلكَ البَقَرِ فَسُقْهَا، فَقالَ لِي: إنَّما لي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِن أرُزٍّ، فَقُلتُ له: اعْمِدْ إلى تِلكَ البَقَرِ، فإنَّهَا مِن ذلكَ الفَرَقِ فَسَاقَهَا، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ مِن خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَانْسَاحَتْ عنْهمُ الصَّخْرَةُ”.

كانت القصة الأولى حول رجل استأجر عامل لديه ليقوم له ببعض الأعمال وكان أجرة بعض الأرز، فلما قضى العامل عمله ترك أجرته وأنصرف عن الرجل لغرض في نفسه وطالت غيبته، فما كان من صاحب العمل إلا أن استغل الأرز في الزراعة فلما نبت الزرع تاجر به واحتسب هذا الأجر من مكسب العامل.

أي أن الرجل قام بتنمية حصة الرجل من الأرز حتى أضحت تجارة تدر المال، ثم قام الرجل بشراء الأغنام والإبل والمواشي، ومن ثم عندما عاد إليه العامل يطالب بحقه أعطاه صاحب العمل كل المكسب ورأس المال.

هنا صاحب العمل ما استنكر أجر العامل بل حفظه له ونماه، فما حفظ فقط الحق بل كلله بالإحسان، وكان هذا العمل خالص النية لوجه الله، فعندما ذكره الرجل سائلًا الله به أن يفرج عليهم ما ألم بهم استجاب الله له وتزحزحت الصخرة شيئًا قليلًا، ولكن كانت الفتحة صغيرة فلم يستطيعوا الخروج.

القصة الثانية: بر الوالدين

“فَقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّه كانَ لي أبَوَانِ شيخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ آتِيهِما كُلَّ لَيْلَةٍ بلَبَنِ غَنَمٍ لِي، فأبْطَأْتُ عليهما لَيْلَةً، فَجِئْتُ وقدْ رَقَدَا وأَهْلِي وعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الجُوعِ، فَكُنْتُ لا أسْقِيهِمْ حتَّى يَشْرَبَ أبَوَايَ فَكَرِهْتُ أنْ أُوقِظَهُمَا، وكَرِهْتُ أنْ أدَعَهُمَا، فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا، فَلَمْ أزَلْ أنْتَظِرُ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ مِن خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَانْسَاحَتْ عنْهمُ الصَّخْرَةُ حتَّى نَظَرُوا إلى السَّمَاءِ”.

هنا تدور الحكاية حول رجل يقال إن عمله كان في الرعي، حيث كان للرجل ماشية يحلبها يوميًا ثم يسقي أبواه من اللبن قبل أبناءه ونفسه وزوجته، أي إنه كان يفضل والديه على الجميع برًا بهم، وكان يعبر عن هذا البر بجعلهم أول شخص يجب أن يشرب من لبن الأغنام الذي قام بحلبه.

يومًا تأخر الرجل في عمله وعندما عاد بوعاء اللبن وجد أبواه الشيخان قد خلدا للنوم، فكره أن يوقظهما من راحتهما أو أن يخالف عادته في إيثارهم بأول شربه من اللبن، لذا سهر الرجل بجانب أبواه حاملًا الوعاء منتظرًا يقظتهما من تلقاء أنفسهم حتى يشربوا.

هنا كان بر الوالدين خالصًا لوجه الله، فسئل الرجل به الله أنه إذا كان هذا العمل صالح وصادق وقام الله بتقبله منه قبولًا حسنًا أن يفرج الله عنهم هذه الغمة، فما كان من الصخرة إلا أن تحركت أكثر بأمر ربها حتى تجلت لهم السماء، إلا أن الفتحة لا زالت لا تسمح بعبور الرجال.

القصة الثالثة: العفة وخوف مقام الله

“قالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّه كانَ لي ابْنَةُ عَمٍّ، مِن أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وأَنِّي رَاوَدْتُهَا عن نَفْسِهَا فأبَتْ، إلَّا أنْ آتِيَهَا بمِئَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حتَّى قَدَرْتُ، فأتَيْتُهَا بهَا فَدَفَعْتُهَا إلَيْهَا، فأمْكَنَتْنِي مِن نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ ولَا تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَقُمْتُ وتَرَكْتُ المِئَةَ دِينَارٍ، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ مِن خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عنْهمْ فَخَرَجُوا”.

كان صاحب هذه القصة رجلًا مفتون بحب ابنه عمه وأرادها له، فأخذ يراودها عن نفسها وظلت تأبى حتى ضاقت بها الأرض بما رحبت يومًا ما ووافقت على منحه عفتها مقابل مبلغ من المال تحتاجه لحل كربتها، ولما كانا على وشك اقتراف الزنا ذكرته بالله فقام عنها ولم يزني بها مخافة مقام الله وترك لها المال.

سأل الرجل الله بهذا الأمر الذي فعله ابتغاء وجه الله وخشية منه أن يفرج كربتهما ويزيح عنهم ما أصابهم، وعندها انزاحت الصخرة بما يسمح للرجال بالعبور.

المثير للانتباه في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة غير الأعمال الصالحة هو ارتباط الثلاث رجال بالله روحيًا ومهابته وخشية مقامه، فما نجتهم فقط أعمالهم، حيث نجاهم قبلها استعانتهم بالله والثقة بأنه هو المنجي كاشف الغمم وحلال العقد.

نرشح لك أيضًا:

قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة كانت لنا عبرة وعظة حسنة يعلمنا الله بها أن التقرب إليه بالأعمال الصالحة التي كانت النية فيها خالصة ابتغاء رضى الله هو فعل محمود ينبغي أن يحتذي به المسلم، كما أن الاستعانة بالله تنجي من المهالك وتفك عن العبد الكرب وتكشف عنه الغموم ومن ثم ينجو العبد في الدارين.